حكم لقمان: دروس حياة حكيمة

حكم لقمان: دروس وعبر من حكيم أفريقيا

تعدُّ حكم لقمان من أبرز وأغنى الحكم التي تضمنتها كتب التراث العربي والإسلامي، وتعتبر منبعًا للعديد من الدروس والعبر التي تصلح لأن تكون مرشدًا للفرد في مختلف جوانب الحياة. عُرف لقمان بأنه رجل حكيم عاش في العصور القديمة، ويُقال إنه كان من أهل السودان أو إثيوبيا، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في سورة لقمان، حيث يعدُّ مثالاً في الحكمة والتفكير العميق. استلهم العديد من المفكرين والفلاسفة من أقواله وأفعاله، بل إنه أضحى رمزًا للفطنة وصدق الرأي، ودائمًا ما يرتبط حكمه بالعناية بالعلاقات الإنسانية، فضلاً عن الأخلاقيات والقيَم العليا.

لقمان: الحكيم الذي أضاء الطريق

تعود شهرة لقمان إلى حكمه العميقة التي تتجاوز الزمان والمكان، فهي أقوال نابضة بالحكمة وتلامس جوانب الحياة اليومية من خلال التعليم والإرشاد. وحينما نبحث في حياة هذا الحكيم، نجد أنَّه قد أُشهر ببلاغته وفطنته، وقد ظلَّ مصدرًا هامًا للفكر والفلسفة في العالم العربي والإسلامي. وفي القرآن الكريم، نجد أنَّ الله سبحانه وتعالى قد منح لقمان الحكمة، فكان مصدرًا للأنبياء وملهمًا للعلماء والفلاسفة.

حكمة لقمان في القرآن الكريم

في القرآن الكريم، وردت عدة آيات تخص حكم لقمان، ومنها قوله تعالى:

• “وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم” (لقمان: 13).

هذه الآية تُظهر حكمة لقمان الأولى وهي التحذير من الشرك بالله. يُعدُّ الشرك أعظم الجرائم في الإسلام، إذ إنَّه يتعارض مع مفهوم التوحيد. ولذا كانت هذه الحكمة أول ما وجهه لقمان لابنه، في تعليمٍ مبكرٍ حول أهمية الإيمان الصحيح بالله.

أما الآية الأخرى التي تشير إلى وصاياه في قوله تعالى:

• “ووصّينا الإنسان بوالديه حملته أمه كرها ووضعته كرها، وفصاله في عامين، أنِ اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير” (لقمان: 14).

هذه الآية تؤكد على قيمة الوالدين وأهمية برهما. يعزز لقمان هنا مفهوم احترام الوالدين والاعتراف بفضلهم في التربية والعناية، ويُظهر العلاقة بين الشكر لله والشكر للوالدين.

أبرز حكم لقمان: دروس في الحياة والأخلاق

كانت حكم لقمان تتسم بوضوح المعنى، وبُعد الأثر. ويمكن تلخيص أبرز الحكم التي أشار إليها في عدة جوانب أساسية:

1. التواضع وترك الغرور

إحدى أقوال لقمان التي تتسم بالحكمة العميقة هي:

• “ولا تصعر خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور”.

يحث لقمان في هذه الحكمة على التواضع ويُحذر من الغرور أو التعالي على الآخرين. التواضع هو صفة محمودة في كل الأديان والثقافات، وتعدُّ من أساسيات الأخلاق الحسنة التي تساهم في بناء علاقات صحية ومستدامة.

2. الاعتدال في المشي والكلام

من الحكم الأخرى التي أوردها لقمان في تعليمه لابنه:

• “واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير”.

هذا التعليم يشمل الاعتدال في المشي والكلام. في حياته اليومية، ينبغي على الإنسان أن يتحلى بالحكمة ويوازن بين الفعل والقول، فلا يكون متسرعًا أو متباهيًا. فالأفعال التي تتم بحكمة وأناة تحمل احترامًا للآخرين وللذات في الوقت ذاته.

3. الحذر من الكذب والغش

كان لقمان ينصح دائمًا بالتزام الصدق في الأقوال والأفعال. فالكذب والغش هما من أبرز المعاصي التي تضر بالفرد والمجتمع على حد سواء. يقول لقمان في إحدى حكمه:

• “من جالس الحُكماء فاز، ومن جالس الفساق هلك”.

يُظهر لقمان في هذه الحكمة أهمية محاسبة النفس وتوجيهها نحو الأفضل. إذ يجب على الإنسان أن يحيط نفسه بالأشخاص الصادقين والذين يمكن أن يؤثروا عليه إيجابيًا.

4. الحكمة في الكلام

قال لقمان:

• “إذا كنت في غير موضعك، فلا تثر العواطف”.

هذه الحكمة تشير إلى أهمية اختيار الوقت والمكان المناسبين للتحدث أو التصرف. فالتسرع في الكلام قد يؤدي إلى التسبب في الخلافات أو سوء الفهم، بينما الحكمة تعني القدرة على ضبط النفس واختيار التوقيت الصحيح.

دروس من حكم لقمان في التربية

حكم لقمان تعدُّ مرجعًا مهمًا في مجالات التربية والتعليم. فقد اهتم بشكل خاص بتوجيه ابنه إلى طرق الحياة الصائبة، وأراد أن يُغرس فيه حب الفضائل والابتعاد عن الرذائل. تُظهر حكم لقمان أنّ التربية لا تقتصر على الجانب المادي، بل تشمل أيضًا غرس القيم والأخلاق في نفوس الأبناء، لتصبح جزءًا من شخصياتهم وتوجهاتهم في الحياة. كان لقمان يراعي أيضًا طبيعة التربية الشخصية، ويعتمد على أسلوب النصح والموعظة، وليس الإكراه أو العنف.

أهمية الحكمة في العصر الحديث

على الرغم من مرور آلاف السنين على حياة لقمان، إلا أن حكمه لا تزال تكتسب أهميتها في العصر الحديث. ففي وقتنا الراهن، حيث تكثر الضغوط النفسية والاجتماعية، تظل حكم لقمان مرشدًا يقدم للأفراد الوسائل المثلى للتعامل مع صعوبات الحياة، بل وتمثل أسلوب حياة يتسم بالحكمة والاعتدال. تُظهر هذه الحكم أنَّ الإنسان بحاجة دائمة إلى التشبث بالقيم الإنسانية الأساسية مثل الاحترام، الصدق، التواضع، والاعتدال.

في المجتمعات المعاصرة، حيث يتنامى التوجه نحو الفردية والجشع المادي، تبرز حكم لقمان كوسيلة للتذكير بأهمية الأخلاق الحميدة والعلاقات الإنسانية القوية. هذا يساهم في بناء مجتمع أكثر تعاونًا وتلاحمًا، بعيدًا عن الفوضى والفردية الضارة.

خاتمة

تبقى حكم لقمان بمثابة مرجع أخلاقي وروحي لكل من يسعى لتحقيق حياة متوازنة وعادلة. هي دروس تعكس القيم الإسلامية والعربية التي تضع الإنسان في حالة من التوازن بين عقله ونفسه وبين علاقاته بالآخرين. كما أنَّ هذه الحكم تشجع على التفكر العميق في معنى الحياة، وتحث على احترام الآخر، والتواضع، والابتعاد عن الغرور. وما زال العالم يحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أمثال هذه الحكم التي تُنير الطريق وتوجه البوصلة نحو معايير الأخلاق والفضيلة.